-->

سورة الفاتحة كما ورد عن الإمام ابن كثير



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (1)
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (2)
ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (3) مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (4)
إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (5) ٱهۡدِنَا
ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (6) صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ
عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا ٱلضَّآلِّينَ (7)



* الاستعاذة : معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنیای، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عمّا هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه. 



* سورة الفاتحة : يقال لها : الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطا، وبها تفتح القراءة في الصلاة، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور، وكره أنس، والحسن وابن سیرین کرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب، ولذا كرها ۔ أيضا - أن يقال لها أم القرآن، وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبی هريرة قال: قال رسول الله  : " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم "، ويقال لها: الحمد، ويقال لها : الصلاة ؛ لقوله عليه السلام عن ربه : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدنی عبدی " الحديث . فسميت الفاتحة : صلاة؛ لأنها شرط فيها ، ويقال لها : الشفاء، لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: " فاتحة الكتاب شفاء من كل سم ". ويقال لها: الرقية، لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقي بها الرجل السليم، فقال له رسول الله : وما يدريك أنها رقية ؟ ". وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية. وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفى عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: « أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها » . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز، ذكرهما الزمخشري في کشافه.
وهي مكية، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل : مدنية، قاله  أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال : نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالی  : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : ۸۷)، والله أعلموحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه.
وهي سبع آيات بلا خلاف، (وقال عمرو بن عبيد : ثمان، وقال حسين الجعفی: ستة، وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء؟ على ثلاثة أقوال،  سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.

قالوا: وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا. قال البخاري في أول کتاب التفسير : وسميت أم الكتب : أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله  إلى ما تضمنته. قال ابن جرير : والعرب تسمى كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أمًا، فتقوله للجلدة التي تجمع الدماغ : أم الرأس، ويسمون لواء الجيش ورایتهم التي يجتمعون تحتها أمًا واستشهد بقول ذي الرمة:

على رأسه أم لنا نقتدي بها *****  جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني : الرمح، قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها، وقيل : لأن الأرض دحيت منها. ويقال لها أيضا: الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصح تسميتها بالسبع المثانی، قالوا: لأنها تثني في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وإن كان للمثانی معنى آخر غير هذا، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون، أنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأم القرآن : " هي أم القرآن، وهي السبع المثانی، وهي القرآن العظيم " .ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبری : حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله  قال: " هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثانی ".
وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسی بن مردويه في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن زیاد، ثنا محمد بن غالب بن حارث، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلی، ثنا المعافی بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  ﷺ : " الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب  ".
وقد رواه الدارقطني - أيضا - عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله، وقال : كلهم ثقات .
ورواه البيهقي عن على وابن عباس وأبي هريرة  أنهم فسروا قوله تعالى : ( وسبعا من المثاني) [الحجر:۸۷] بالفاتحة، وأن البسملة هي الآية السابعة منها . وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود: یعنی حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها.
وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها] وقيل : ( يا أيها المدثر ) ، كما في حديث جابر في الصحيح. وقيل : ( اقرأ بإسم ربك الذي خلق ) [العلق : ۱) وهذا هو الصحيح.

* المصدر : مقتبس من كتاب " تفسير القرآن العظيم " للإمام ابن كثير الدمشقي رحمه الله .


chaima
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع موعظة و علم .

جديد قسم : مقال اليوم

إرسال تعليق