-->

المفهوم العميق لمصطلح كل من الخير و الشر


الخير والشر قضية تثير جدلا كثيرا ، وسبب هذا الجدل هو عدم فهم المعنى الحقيقي للحياة ، ذلك أن الناس - إلا القليل منهم - قد ركزوا مقاييسهم على أن الحياة الدنيا هي الغاية ، ولذلك تعبوا وأتعبوا غيرهم . وكل من أخذ الدنيا على أنها غاية ، أتعبه الله سبحانه وتعالى فيها ، ثم لم يأخذ شيئا .
إن الدنيا غاية بالنسبة لغير المؤمن فقط ، لأنه لا يعتقد أن هناك آخرة ، وهو لا يعتقد أن هناك حياة أبدية ، بل تنتهي طموحاته وأعماله كلها عند هذه الحياة الدنيا .. مع أنه لو نظر نظرة العاقل لعرف أن الدنيا لا يمكن أن تكون هي الحياة للإنسان - لماذا ؟.. لأن العمر فيها مظنون وغير متيقن ، إنه مبني على الظن وليس على اليقين ، فالإنسان يتوقع أن يعيش في الدنيا حتى يبلغ سن الستين أو السبعين أو أكثر من ذلك .. ولكن هناك من يموت وعمره في الدنيا ساعة .. ومن يموت وعمره يوم .. ومن يموت وعمره أسابيع أو شهور .. ومن يموت وهو يبلغ أرذل العمر .
الانسان - بطبيعته - يظن أنه سيعيش في الدنيا أعواما طويلة .. ولكن هذا ليس مبنيا على يقين ، فقد يأتيه الموت في أية لحظة , ولا أحد يستطيع أن يدعي أو يتنبأ بأيامه في الدنيا ولا بعمره فيها . . لكن الانسان يستطيع يقينا أن يعرف عمره في الآخرة وهو أنه خالد لا يموت .. منعم لا يذهب عنه النعيم ، أو معذب لا يترکه العذاب .. إننا إذا أردنا أن نحكم على أشياء حكمها الحقيقي بالنسبة للانسان .. فلابد أن تأخذ هذا الحكم مقياس الأخرة ، ثم نضع المقاييس لتصبح هذه الأحكام صحيحة وسليمة .. ولكن - لغفلتنا - فإن مفاهيم الخير والشر بالنسبة لمعظمنا تتركز على الحياة الدنيا ، على أساس أنها غاية وليست وسيلة .. فما يحقق لنا متعة ونعيما في الدنيا اعتبرناه خيرا .. وما حقق لنا نوعا من الشقاء أو عدم الرضا .. أو الحرمان مما نشتهيه اعتبرناه شرا .. ومادام هذا هو مفهومنا ، ومادمنا نعيش بهذا المفهوم الخاطىء، فسنشقى وسنبتعد عن الله .
إن الناس تأخذ الخير والشر بمفهوم شخصي حسب مصالحها الشخصية دون أن تنظر إلى ما هو أعمق من ذلك.. ولكن المقاييس الشخصية لا يمكن أن تحدد خيرا أو شرا.. لأنها مقاييس ناقصة وأنانية ، لا تعرف أين الخير واين الشر .
إننا إذا قسنا الحدث بمقایسنا الشخصية .. نجد أنه خير لإنسان ، وشر لأنسان آخر .. فإذا فرضنا مثلا أن الوزارة قد أقيلت .. وتم تأليف وزارة جديدة .. هذا الحدث هو شر بالنسبة للذين خرجوا من الوزارة .. وبالنسبة للوزراء الجدد يعتبرونه خيرا ويتلقون التهاني عليه .. مع أنه نفس الحدث .. ولكنه شر لبعض الناس وخير للبعض الآخر . ولنا أن نتساءل : كيف يكون الحدث نفسه خيرا وشرا في نفس الوقت ؟.. كيف يكون الحدث هو جامع للخير والشر معا ؟! لابد هنا أن المقاییس مختلة ، لذلك فهي لا تعطى المعنى الحقيقي ، ولو أن المقاييس غير مختلة لما وجدت هذا التضارب والتضاد في المعنى . ولكن عندما تختل المقاييس يختل معنی الأحداث تلك هي الحقيقة التي لابد أن نلتفت إليها .. ونحن نعالج قضية الخير والشر .
إن المقاييس الشخصية . كما قلت - لا تصلح حكما في هذه القضية. وأنه لابد أن هناك مقاییس أخرى وضعها الله سبحانه وتعالى في الكون .. هي التي يمكن أن تحكم الأحداث وتعطينا المعنى الحقيقى لها .
هذه المقاييس لا يمكن أن نصل اليها نحن بفهمنا المحدود .. ولا بعلمنا القليل .. فأشياء كثيرة تغيب عنا تجعلنا لا نصلح كحكم على الخير والشر في الدنيا ، بل نأخذ الأشياء بسطحيتها ودون فهم ، ثم ننطلق ونصدر أحكاما بعيدة عن الحقيقة ! وإذا أردنا أن نقيس الكون مقاییس مهمة الانسان فيه ،. تلك المهمة التي خلقه الله سبحانه وتعالى من أجلها - فلابد أن نفهم أن الله تبارك وتعالى قد وضع الميزان الدقيق لحركة الحياة في الكون .. ذلك الميزان الذي يحكم كل شيء ، وأول الأشياء التي وضعها الحق سبحانه وتعالى هو میزان الجمال في الكون ، والجمال هو أن يؤدي الشيء مهمته في الحياة .. لذلك كانت قوانين الكون تضمن أن يؤدي الإنسان مهمته .. فاذا عبث البشر بهذه القوانين وعطلوها ولم يأخذوا بها فسدت الحياة ، وامتلأت بالشقاء والشرور، وضاع الجمال فيها ، ومقاييس الجمال تجدها في الكون وفي كل حركة من حركات الحياة , ولنبدأ مع بداية الحياة .. حين يولد الطفل .. أول شيء أنه يولد على الفطرة مسلما .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل مولود يولد على الفطرة مسلما وأهله ينصرانه أو یهودانه أو يمجسانه ) .
إن كل مولود جاء الى هذه الدنيا إنما جاء وهو على الفطرة السليمة .. على دين الله الصحيح ، ثم يحدث الفساد بعد ذلك من الناس ، أي من أهله الذين ينقلونه من دين الفطرة - التي خلقه الله عليها - إلى ما يعتنقونه هم .. هذا دليل على جمال الله في كونه منذ بداية الحياة لأي مولود ، بأن خلق كل خلقه على الاسلام ، ويدل - في نفس الوقت . على إفساد الناس لهذا الجمال .
إن أي طفل يشب على البراءة بما منحه الله من جمال الخلق بالفطرة ،، إنه لا يعرف الكذب ولا النفاق ولا السرقة .. ولا أيا من شرور الدنيا ، ولكن أبواه هما اللذان يعلمانه كل شر .. هو مخلوق على جمال الفطرة .. صادق القول صادق الاحساس .. بريء طاهر .. فلم نسمع عن طفل ولد كذابا بالفطرة .. ولم نر طفلا ولد سارقا بالفطرة .. ولا سمعنا عن طفل ولد منافقا بالفطرة .. ولكن كل هذه الشرور والآثام يعلمها له والده .. أو أقاربه أو أقرانه .. فكأن الخلق جاء على الحال في الكون .. والافساد في الكون إنما جاء من تدخل البشر .
ويكبر الطفل ويذهب إلى المدرسة .. وبدلا من أن يعلمه والداه أن العمل هو أساس النجاح ، وأنه لكي ينجح يجب أن يذاكر .. يتحايلان على أن ينجح دون مذاكرة ، فيحاولان الحصول على اسئلة الامتحان من المدرسين ، إما بواسطة الدروس الخصوصية ،، وإما بالرشوة وإما بالنفوذ .. ونكون - بتدخلنا هذا . قد أفسدنا الجمال في الكون .. كيف ؟ لأنه إذا نجح التلميذ بلا مذاكرة .. هل سيذاكر بعد ذلك ؟!.. طبعا لا.. لأنه مادام ينجح بلا جهد، فلماذا يذاكر ويتعب ؟! إن ما نراه الآن من محاولة بعض المدرسين لبيع الامتحانات ، أو إعطاء الأسئلة للطلبة مقابل دروس خصوصية أو غير ذلك .. هو محاولة لافساد الحال في الكون ، فيعتاد كل طالب ألا يذاكر لينجح ، وتكون النتيجة أنه لا يتعلم ، وتنتهي مرحلة تعليمه وهو لا يعلم شيئا ، ويدخل المجتمع كله في كارثة حقيقية .
الله سبحانه وتعالى يريد منا عمارة الأرض ، ولكي نعمر الأرض فقد خلق الله جل جلاله لنا عقولا ترث الحضارات وتضيف عليها .. هذا العقل هو الذي ميز الانسان على الحيوان ... فالحيوان مازال يعيش عيشته البدائية منذ بداية الخلق ، إننا لم نسمع مثلا أن مجموعة من الحيوانات قد عقدت اجتماعا تتدارس فيه كيف ترقي بحياتها ، وكيف تنشىء حظائر مكيفة الهواء مثلا ، ولم نعرف أن حيوانا تقدم عن أبيه أو جده في العلم فأصبح يعلم ما لم يكونوا بعلموه .. واستطاع أن يطور حياته ويغيرها ، لم يحدث ذلك لأمر بدیهی هو أنه لا يملك المؤهل للتطور .

chaima
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع موعظة و علم .

جديد قسم : مقال اليوم

إرسال تعليق